ما هو نظام التشغيل DOS

يُعد نظام DOS (Disk Operating System)، أو نظام تشغيل الأقراص، أحد أكثر أنظمة التشغيل تأثيراً في تاريخ الحوسبة. لم يكن مجرد برنامج، بل كان الركيزة الأساسية التي بُنيت عليها تجربة الحوسبة الشخصية (PC) لعقود، خاصة في الثمانينات والتسعينات. على الرغم من أن أنظمة التشغيل الحديثة ذات الواجهة الرسومية (GUI) قد طغت عليه، إلا أن فهم DOS أمر بالغ الأهمية، فهو يمثل النقطة التي التقت فيها بساطة البنية التحتية مع قوة التحكم الكامل في موارد الجهاز.

نشأ DOS في حقبة لم تكن فيها الفأرة (الماوس) أداة قياسية، وكان التفاعل مع الكمبيوتر يتم بالكامل عبر سطر الأوامر (Command Line Interface – CLI). هذه البساطة المعقدة منحت المستخدمين الأوائل سيطرة غير مسبوقة على أجهزتهم، ممهدة الطريق لنمو صناعة البرمجيات وتطور الألعاب الشهيرة.

أوامر نظام DOS

كان نظام DOS يعتمد بشكل كلي على واجهة سطر الأوامر (CLI)، مما جعل إتقان أوامره النصية أمراً حيوياً لإدارة الكمبيوتر. تنقسم هذه الأوامر إلى فئتين رئيسيتين: الأوامر الداخلية (Internal Commands) والأوامر الخارجية (External Commands):

🌟 الأوامر الداخلية (Internal Commands):

هذه الأوامر تُحمّل مباشرة في الذاكرة مع ملف COMMAND.COM وتتميز بسرعة التنفيذ:

• DIR: لعرض محتويات الدليل (المجلد) والملفات الموجودة فيه.
• CD أو CHDIR: لتغيير الدليل الحالي أو الانتقال بين المسارات المختلفة في النظام.
• COPY: لنسخ ملف أو مجموعة ملفات من مكان إلى آخر.
• DEL أو ERASE: لحذف الملفات من القرص.
• MD أو MKDIR: لإنشاء دليل (مجلد) جديد.
• RD أو RMDIR: لحذف دليل فارغ.
• REN أو RENAME: لإعادة تسمية ملف أو دليل.

🛠️ الأوامر الخارجية (External Commands):

هذه الأوامر هي برامج منفصلة (.EXE أو .COM) موجودة على القرص، وتُستخدم للمهام الأكثر تعقيداً أو لتهيئة الأجهزة:

• FORMAT: لتهيئة الأقراص الصلبة أو المرنة لإعدادها لاستقبال البيانات.
• FDISK: لإدارة أقسام القرص الصلب وتخصيص مساحات التخزين.
• CHKDSK أو SCANDISK: لفحص القرص بحثاً عن الأخطاء وإصلاحها.
• EDIT: لفتح محرر النصوص المدمج في DOS لكتابة وتعديل الملفات النصية.
• TREE: لعرض بنية الدلائل (المجلدات) بشكل شجري هرمي.

كانت هذه الأوامر تمنح المستخدم سيطرة كاملة ومباشرة على كل جزء من موارد النظام، مما جعل نظام DOS بيئة قوية وفعالة تتطلب إلماماً فنياً عالياً.

نشأة نظام DOS

تعود قصة DOS إلى بداية الثمانينات، عندما سعت شركة IBM لإطلاق أول جهاز كمبيوتر شخصي (IBM PC). احتاجت IBM إلى نظام تشغيل سريع وفعال، وهنا دخلت مايكروسوفت على الخط.

1. من QDOS إلى MS-DOS

النسخة الأصلية التي اشترتها مايكروسوفت كانت تسمى QDOS (Quick and Dirty Operating System)، والتي طورها تيم باترسون في شركة Seattle Computer Products. قامت مايكروسوفت بتعديل وتطوير هذا النظام ليصبح MS-DOS، وأبرمت صفقة تاريخية مع IBM لتزويد جهازها الجديد بنظام التشغيل، وهو ما عُرف باسم PC DOS. هذا القرار لم يمنح مايكروسوفت السيطرة على نظام التشغيل فحسب، بل سمح لها ببيع MS-DOS لأي مُصَنِّع لأجهزة الكمبيوتر المتوافقة مع IBM (ما عُرف بـ PC Clones)، مما أدى إلى انتشاره العالمي وتوحيد معايير الصناعة.

2. مفهوم الواجهة النصية (CLI)

على عكس الأنظمة الحديثة التي تعتمد على الأيقونات والنوافذ، كان التفاعل مع DOS يعتمد كلياً على إدخال الأوامر النصية. لإنجاز أي مهمة (مثل نسخ ملف، أو تشغيل برنامج، أو إنشاء مجلد)، كان يجب على المستخدم كتابة الأمر الصحيح، مثل:

• DIR: لعرض محتويات الدليل (المجلد).
• CD: لتغيير الدليل الحالي.
• COPY: لنسخ الملفات.
• FORMAT: لتهيئة الأقراص.

هذا المفهوم، بالرغم من صعوبته للمستخدم المبتدئ، كان يتميز بـ الكفاءة العالية والاستهلاك المنخفض جداً لموارد النظام.

⚙️ المكونات الأساسية لبنية DOS

اعتمدت بنية DOS على ملفات أساسية لا يمكن للنظام العمل بدونها:

1. الملفات المخفية (IO.SYS و MSDOS.SYS): وهما ملفات النظام الرئيسية التي تتعامل مباشرة مع أجهزة الكمبيوتر (مثل إدخال/إخراج البيانات) وتدير العمليات الأساسية للنظام.
2. COMMAND.COM: هو المُفسِّر الرئيسي لسطر الأوامر (Command Line Interpreter). هذا الملف هو المسؤول عن معالجة الأوامر التي يكتبها المستخدم وتنفيذها. وهو الذي يظهر رسالة المطالبة (Prompt) الشهيرة مثل C:\> أو A:\>.
3. CONFIG.SYS و AUTOEXEC.BAT: ملفات تهيئة أساسية.
   • CONFIG.SYS: يحدد إعدادات النظام وتخصيص الذاكرة وتحميل برامج التشغيل الضرورية (Drivers).
   • AUTOEXEC.BAT: هو ملف يتم تنفيذه تلقائياً عند بدء تشغيل النظام، ويستخدم لتنفيذ الأوامر الأساسية مثل تعيين مسار النظام (PATH) أو تشغيل برامج مساعدة.

🚀 الاستخدامات والأفكار الفرعية: قوة الأداء والبرمجة

شهد DOS ذروة ازدهاره في مجالين رئيسيين:

1. الألعاب والحاجة إلى الذاكرة العالية

كانت ألعاب DOS الكلاسيكية مثل Doom، Wolfenstein 3D، وSimCity تتطلب تحكماً دقيقاً في الذاكرة للعمل بسلاسة. نظام DOS كان يدير الذاكرة بطريقة معقدة ومحدودة (640 كيلوبايت كذاكرة تقليدية).

للتغلب على هذا القيد، ظهرت مفاهيم مثل:

• الذاكرة الممتدة (Extended Memory – XMS): الذاكرة التي تقع فوق حاجز 1 ميغابايت.
• الذاكرة المتبادلة (Expanded Memory – EMS): نظام مبكر لإدارة الذاكرة يسمح للبرامج بالوصول إلى أجزاء مختلفة من الذاكرة عن طريق التبديل بينها.

كان المستخدمون يقضون وقتاً طويلاً في تعديل ملفي CONFIG.SYS و AUTOEXEC.BAT لتحرير كل بايت ممكن في الذاكرة التقليدية (Conventional Memory) لضمان عمل الألعاب بكفاءة.

2. البرمجة والبرامج المكتبية (القوة الإنتاجية)

كان DOS منصة انطلاق للعديد من أدوات البرمجة ومحررات النصوص القوية. أشهر البرامج التي اعتمدت على بيئة DOS:

• برامج الجداول (Spreadsheets): مثل Lotus 1-2-3، الذي كان معيار الصناعة قبل ظهور Excel.
• معالجات النصوص: مثل WordPerfect، الذي اشتهر بقوته وسرعته.
• محررات البرمجة: مثل Turbo Pascal و Turbo C، التي مكنت المبرمجين من تطوير تطبيقات فعالة مباشرة عبر سطر الأوامر.

📉 التحديات والزوال التدريجي

بالرغم من قوته، واجه DOS تحديات قاتلة مع ظهور تكنولوجيا الواجهة الرسومية:

1. صعوبة الاستخدام: اعتماد DOS الكلي على النصوص كان حاجزاً كبيراً أمام المستخدم العادي الذي يفضل التفاعل المرئي (النقر والسحب).
2. عدم تعدد المهام (No Multi-tasking): كان DOS نظاماً أحادي المهمة، مما يعني أن المستخدم لا يمكنه تشغيل أكثر من برنامج واحد في نفس الوقت.
3. التعامل المعقد مع الأجهزة (Drivers): كان تحميل برامج التشغيل يدوياً وتخصيص عناوين المقاطعة (IRQs) والذاكرة يدوياً يتطلب خبرة فنية عالية.

بدأ زوال DOS التدريجي مع طرح Windows 3.1، ولكن الضربة القاضية جاءت مع Windows 95، الذي دمج نظام DOS كـ “طبقة أساسية” مخفية، لكنه قدم واجهة رسومية كاملة ومستقلة، مما ألغى الحاجة للتفاعل المباشر مع سطر أوامر DOS في الاستخدام اليومي.

🌟 الإرث: من سطر الأوامر إلى PowerShell

لم يختفِ إرث DOS تماماً؛ بل تطور وتحول. المبادئ الأساسية التي أرساها لا تزال حية في الأنظمة الحديثة:

• موجه الأوامر (CMD) في ويندوز: هو امتداد مباشر لـ COMMAND.COM.
• PowerShell / Terminal: أدوات سطر الأوامر الحديثة في ويندوز وماك ولينكس هي ورثة روح DOS، حيث تمنح المستخدمين والمطورين سيطرة عميقة وقوية على النظام.
• سهولة التكوين: لا يزال العديد من مشغلات الألعاب القديمة (Emulators) تستخدم بيئة DOS المحاكاة لضمان عمل الألعاب الكلاسيكية بالشكل الأصلي.

في الختام، يظل DOS فصلاً ذهبياً في تاريخ الحوسبة، نظاماً قاسياً وصعباً أحياناً، لكنه كان فعالاً بشكل لا يصدق وعلّم جيلاً كاملاً من المستخدمين والمبرمجين أساسيات عمل الكمبيوتر من الألف إلى الياء.